السبت 27 أبريل 2024 10:03 صـ 18 شوال 1445 هـ
جريدة النهار المصرية رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحريرأسامة شرشر

رئيس التحرير

أسامة شرشر يكتب: حكاية الدولار والأسعار فى رمضان

أسامة شرشر رئيس تحرير جريدة النهار
أسامة شرشر رئيس تحرير جريدة النهار

حالة من التفاؤل الحذر يعيشها المصريون بعد الصفقة النوعية، التى قامت بها الدولة المصرية ودخول 10 مليارات دولار إلى البنك المركزى المصرى بالإضافة إلى أن هناك استثمارات وصفقات أخرى قادمة فى الطريق خلال الأشهر المقبلة.

والتساؤل المشروع الآن: هل سيدخل البنك المركزى قريبًا 60 مليار دولار قيمة صفقات فى رأس جميلة والجلالة وفندق العلمين الذى يتحدث عنه رجل الأعمال الإماراتى خلف الحبتور؟

أعتقد أن هذه الصفقات تتطلب حكومة اقتصادية جديدة تدير هذا الملف بمهنية وكفاءة واقتدار، حتى يتم توحيد سعر صرف الدولار الذى يبلغ سعره فى البنوك 31 جنيهًا، بينما سعره فى السوق السوداء أو السوق الموازية كان قد بلغ 70 جنيهًا قبل أسبوعين من الآن، لكنه تراجع مع كتابة هذه السطور إلى 40 جنيهًا الآن، بفضل صفقة رأس الحكمة.

المشكلة الخطيرة جدًا هى أن السوق السوداء للدولار، أحدثت انفلاتًا فى الأسعار فى الفترة السابقة خاصة فى المواد الغذائية ومنتجات الألبان وسوق الذهب ومواد البناء والأجهزة الكهربائية وغيرها؛ ما أثار الخوف فى قلب المواطن المصرى الذى أصبح يعيش بين مطرقة الأسعار وسندان الدولار «الشيطان الأكبر»، ونحن على أبواب شهر رمضان المبارك.

لكن الحقيقة أنه منذ الإعلان عن صفقة رأس الحكمة، وأنباء الصفقات الجديدة، فإن الأثر الاقتصادى والمعنوى بث حالة من التفاؤل الحذر لدى الناس البسطاء الذين قتلتهم الحاجة والجوع، حتى شاع - والله ليست مزحة أو نكتة - بين الناس الحقيقيين، وهم أغلبية الشعب المصرى (إن قرص الطعمية هيكبر تانى ويرخص)، وكذلك الفول «الذى دوخنا وداخ»، وهذا ما يهم المواطن المصرى الشريف فعلًا الدواء والسكر والزيت والمكرونة وغيرها مما يستر به بيته.

فالذى يفكر فيه المواطن المصرى فعلًا، هو ارتفاع الأسعار الجنونى وغير الطبيعى، والذى لم يحدث من قبل فى مصر المحروسة، وهو يريد أن يشعر بالأمان الاقتصادى الذى افتقده لفترة طويلة، بعدما أصبح (إرهاب الدولار أكبر من إرهاب الإخوان)، وهذا يجعل حالة التفاؤل الحالية لدى المصريين مشوبة بالحذر من غول الأسعار والغلاء واحتكار الفاسدين للسلع، وشبكات الفساد المزروعة داخل الوزارات والهيئات من بعض فاقدى الضمير، الذين استغلوا الموقف وتربحوا على حساب الغلابة مليارات الجنيهات، وليس ملايين فقط.

فلذلك لا بد أن نقوم بقراءة هذا الملف الذى يجعل الاقتصاد المصرى فى حالة رخاء اقتصادى، وأن يشعر المواطن المصرى فى الداخل والخارج بانعكاسات هذا الرخاء عليه شخصيًا، وهذا سينعكس على المزيد من الاستثمارات العربية والدولية.

لكن لا بد أولًا من توحيد سعر صرف الدولار، وكما قلت سابقًا إنه لا توجد دولة فى العالم بها سعر رسمى وسعر سوق سوداء للعملة الصعبة، وهذه إحدى بدع حكومتنا العجيبة التى ليس لها مثيل على الأرض وبين البشرية، ففى كل دول العالم الناشئة أو الفقيرة أو النامية سعر صرف الدولار فى البنوك وفى شركات الصرافة واحد، وهو مباح ومتاح للمواطنين فى الحدود الآمنة لأى اقتصاد فى العالم.

ومن هنا تظهر تساؤلات اقتصادية واقعية للسيد حسن عبدالله، محافظ البنك المركزى، أهمها: هل سيتم تعويم الجنيه فى الفترة المقبلة كما يتردد؟ بالرغم من تأكيد الرئيس عبدالفتاح السيسى أنه لا يوجد تعويم فى 2024.

أعتقد أنه لا بد من إسدال ستارة النهاية على مسلسل التعويم نهائيًا (كفاية تعويم.. فالمواطن المصرى غرق فى التعويم واكتوى بنار أسعاره، حتى لم يعد لديه أى قدرة على احتمال زيادة أخرى فى الأسعار، والعناية الإلهية وحدها أنقذت هذا الشعب وهذا البلد الذى لن يضام أو يحدث له مكروه حتى لو كره الحاقدون والكارهون والكافرون به)، إن إجابة هذا السؤال هى أول انطلاقه للشفافية والمصداقية مع الرأى العام.

ثانيًا: لماذا لا يتم الإعلان عن تفاصيل التعاقدات فى صفقة رأس الحكمة أو أى صفقة قادمة مستقبلية حتى يطمئن المصريون والخبراء والمحللون، فتعتيم وضغط السوشيال ميديا والإعلان الغامض من الحكومة وغير المفسر حول الصفقات ومراحلها يجعل للقيل والقال مكانًا بين الناس، ويستمع المواطنون إلى دار إفتاء اقتصادية من كل من هب ودب، وهذا ينعكس على الوضع الاقتصادى فى الداخل والخارج.

ثالثًا: يجب إعادة النظر فى التدابير التى اتخذها البنك المركزى وتعليماته للبنوك المصرية فى إنفاق المصريين بالخارج؛ لأن أكثر من تضرر فعلًا، هو الطلاب والطالبات الدارسون فى أوروبا وأمريكا وكل دول العالم.. فهل يعقل أن يكون المتاح لهم شهريًا هو 200 أو 250 دولارًا أو يورو؟ والماكينات فى الخارج دعمها النقدى لا يتجاوز ما يُعادل 6000 جنيه شهريًا.. هل هذا منطق؟!

ولا ننسى أيضًا المرضى وأصحاب العلاج والعمليات الجراحية بالخارج ماذا يفعلون؟ نحن بهذه التدابير نخلق سوقًا موازية للشيطان الأكبر الدولار واليورو دون أن نضع ضوابط منطقية لسحب العملة الصعبة فى الخارج، صحيح أن البنك المركزى معذور؛ بسبب بعض الفاسدين الذين سحبوا فى فترات سابقة ملايين الدولارات واليوروهات، وقاموا بشراء الذهب وسحب العملات الصعبة من الدول العربية والأجنبية من خلال أكثر من 10 فيزات للشخص الواحد باسمه أو بأسماء أقاربه ومعارفه ومن بنوك مختلفة، لكن يجب ألا يكون الحل هو إغلاق التعامل أمام الجميع بهذه الطريقة.

فمن تضرر فعلًا، هو الطالب الذى يدرس بالخارج، والمريض المصرى الذى يكتوى بآلام مرضه، وهو خارج وطنه وبعيد عن أهله وبيته، فهل يتسول الطلاب والمرضى أم يتعلموا؟ وماذا يفعل أولياء الأمور لتلبية احتياجات أبنائهم إلا اللجوء إلى السوق السوداء التى ابتدعتها الحكومة العجيبة؟

أقترح تشكيل لجنة من خبراء وأساتذة الاقتصاد الوطنيين - وما أكثرهم - بعيدًا عن اللجان الحكومية لتقييم الوضع النقدي والمالي الحقيقي لهذه الفئات ووضح حلول وضوابط قابلة للتنفيذ، وتعطى للطلبة والطالبات فى الخارج فى حدود 1000 دولار أو يورو على الأقل فى الشهر نقديًا حتى يقوم بدفع قيمة السكن الذى يسكنه، وهو فى ارتفاع مستمر والفواتير والتأمين الصحى الإجبارى ومصاريف الكهرباء والإنترنت وغيره، وألا تقتصر التزامات البنوك على الرسوم الدراسية فحسب.

نحن نريد عقليات وكفاءات اقتصادية تقيم الواقع من خلال رؤية واقعية وليس من خلال تعليمات وتدابير تجعل المواطن المصرى خارج الخدمة، وهو الوحيد فى العالم الذى يجد الصعوبة فى تدبير العملة الصعبة، وصدقونى الطالب الصومالى أو السودانى، والذين يعانون من أزمات سياسية واقتصادية طاحنة فى بلادهم لا يعانون معاناة أبناء مصر في الخارج، وكذلك أهالى المرضى هناك حالات كثيرة تعانى فى تدبير العملة الصعبة لإجراء العمليات والإقامة والتحاليل والأدوية، فهؤلاء لا ينامون من أجل تدبير العملة لمرضاهم، وهذا لم يحدث من قبل.

وأخيرًا لا ننسى الذين يسافرون فى مهمات رسمية أو فى مهمات عمل كالأطباء والمهندسين والصحفيين والمحامين والتجار ورجال الأعمال الشباب والمواطنين، فهؤلاء لا يجدون منفذًا داخل البنوك الرسمية لتدبير العملة الصعبة أو حجز الفنادق والكارثة الكبرى أن التدابير والضوابط للذين سافروا مرة لا يجوز لهم التعامل مع البنوك الرسمية قبل ثلاثة شهور من السفرية السابقة، فيكون الحل هو اللجوء إلى السوق السوداء.

ولعلنا ونحن على أبواب رمضان تستجيب السماء لدعوات المصريين بتغيير الحكومة واختيار كفاءات اقتصادية، والعقليات المصرية موجودة داخل وخارج مصر، وهم كثر يبدعون فى كل دول العالم، لكنهم بلا صلاحيات؛ لأنهم يفكرون خارج صندوق الحكومة ويعشقون ويحلمون بأهلهم وبلدهم خاصة أن الصفقات الاقتصادية تنهال على مصر فى المرحلة المقبلة، فنحن في حاجة فورية إلى عملية إنقاذ اقتصادى بالعقول المستنيرة والأيادى غير المرتعشة، والأفكار الجديدة حتى تعود مصر إلى المصريين بعد أن اختطفها مجموعة من الفاسدين والمفسدين.

ارحموا من فى الأرض..
يرحمكم من فى السماء.